إيران وحزب الله: سلاح كورقة تفاوض في الملف النووي؟
إيران وحزب الله: علاقة استراتيجية أم ورقة تفاوض نووي؟
العلاقات بين إيران وحزب الله تعتبر محورًا أساسيًا في السياسة الإقليمية للشرق الأوسط، وغالبًا ما تُطرح تساؤلات حول طبيعة هذه العلاقة وتأثيرها على الملفات الإقليمية والدولية. العلاقة بين إيران وحزب الله ليست مجرد تحالف تكتيكي، بل هي شراكة استراتيجية عميقة الجذور تمتد لعقود. إيران تعتبر حزب الله حليفًا قويًا في المنطقة، وذراعًا أساسيًا في تنفيذ سياستها الإقليمية. من ناحية أخرى، يرى حزب الله في إيران الداعم الأكبر له، سواء من الناحية المالية أو العسكرية أو السياسية. هذه العلاقة الوثيقة تجعل من الصعب فصل مصالح الطرفين، وتجعل أي تحرك لأحدهما يؤثر بشكل مباشر على الآخر. تاريخيًا، دعمت إيران حزب الله منذ نشأته في ثمانينيات القرن الماضي، وقدمت له التدريب والسلاح والتمويل. هذا الدعم مكّن حزب الله من أن يصبح قوة عسكرية وسياسية فاعلة في لبنان والمنطقة. الحزب شارك في صراعات عديدة، أبرزها الحرب مع إسرائيل في عام 2006، وأثبت قدرته على الصمود والتأثير في الأحداث الإقليمية. إيران ترى في حزب الله قوة ردع إقليمية تحمي مصالحها وتوازن القوى في المنطقة. الحزب يمتلك ترسانة صاروخية كبيرة ومتطورة، وقوة قتالية مدربة ومنظمة، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في أي صراع إقليمي. هذا الدور الإقليمي لحزب الله يجعله ورقة مهمة في يد إيران، تستخدمها لتعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
الملف النووي الإيراني يمثل أحد أبرز الملفات الشائكة في السياسة الدولية، حيث تسعى القوى العالمية للحد من قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية. المفاوضات النووية مع إيران شهدت مراحل متعددة، وتوصلت إلى اتفاق في عام 2015، لكن هذا الاتفاق واجه صعوبات بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في عام 2018. إيران تنفي سعيها لامتلاك أسلحة نووية، وتؤكد أن برنامجها النووي يهدف إلى الاستخدامات السلمية، مثل إنتاج الطاقة والأغراض الطبية. ومع ذلك، فإن القوى الغربية تشك في نوايا إيران، وتطالبها بالشفافية الكاملة والالتزام بالمعايير الدولية. الملف النووي الإيراني مرتبط بشكل وثيق بالأوضاع الإقليمية، حيث أن أي تصعيد في المنطقة قد يؤثر على المفاوضات النووية، والعكس صحيح. إيران تستخدم نفوذها الإقليمي، بما في ذلك علاقاتها مع حلفائها مثل حزب الله، كورقة ضغط في المفاوضات النووية. طهران ترى أن قدرتها على التأثير في الأحداث الإقليمية تعزز موقفها التفاوضي، وتجعل القوى الغربية أكثر جدية في التعامل معها. استخدام إيران لحزب الله كورقة تفاوضية ليس بالأمر الجديد، فقد سبق لإيران أن استخدمت نفوذها في المنطقة لتحقيق مكاسب في ملفات أخرى. على سبيل المثال، في المفاوضات حول تبادل الأسرى أو التهدئة في مناطق الصراع، كانت إيران تستخدم علاقاتها مع الجماعات المسلحة كورقة ضغط.
هل يستخدم سلاح حزب الله كورقة تفاوض؟
سلاح حزب الله يمثل قوة ردع كبيرة لإيران في المنطقة، خاصة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية. ترسانة حزب الله الصاروخية قادرة على الوصول إلى أي نقطة في إسرائيل، وهذا يمنح إيران قدرة على الردع في حال تعرضها لهجوم. إيران تعتبر أن سلاح حزب الله جزء من استراتيجيتها الدفاعية، وأن هذا السلاح يحميها من أي عدوان خارجي. في المقابل، ترى إسرائيل والولايات المتحدة أن سلاح حزب الله يشكل تهديدًا لأمنهما، وتطالبان بنزع سلاح الحزب. هذا الخلاف حول سلاح حزب الله يجعله نقطة خلاف رئيسية في أي مفاوضات إقليمية أو دولية. إيران قد تستخدم سلاح حزب الله كورقة تفاوضية في الملف النووي، من خلال التلميح إلى أنها قد تحد من دعمها للحزب مقابل الحصول على تنازلات في الملف النووي. هذا التكتيك يهدف إلى الضغط على القوى الغربية لتقديم تنازلات لإيران، خوفًا من تصعيد الوضع في المنطقة. في الوقت نفسه، إيران حريصة على عدم التخلي عن سلاح حزب الله بشكل كامل، لأنه يمثل قوة ردع استراتيجية لها. لذلك، فإن أي مفاوضات حول سلاح حزب الله ستكون معقدة وصعبة، وستتطلب توازنات دقيقة. إيران قد تكون مستعدة لتقديم بعض التنازلات التكتيكية، لكنها لن تتخلى عن جوهر قدرة حزب الله العسكرية. استخدام إيران لسلاح حزب الله كورقة تفاوضية ليس مجرد تكتيك سياسي، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز نفوذها الإقليمي وتحقيق مصالحها الأمنية. إيران ترى أن قدرتها على التأثير في الأحداث الإقليمية تعزز موقفها في أي مفاوضات دولية، سواء كانت حول الملف النووي أو غيره.
التحليلات السياسية تشير إلى أن إيران تستخدم كافة أوراقها الإقليمية، بما في ذلك حزب الله، لتعزيز موقفها التفاوضي في الملف النووي. إيران تعتبر أن الملف النووي هو ملف أمني وسياسي واقتصادي، وأنها بحاجة إلى الحصول على ضمانات قوية قبل الموافقة على أي اتفاق جديد. هذه الضمانات تشمل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والحصول على اعتراف دولي بحقها في امتلاك برنامج نووي سلمي. إيران ترى أن القوى الغربية بحاجة إلى الاتفاق النووي أكثر منها، وأنها في وضع قوة يسمح لها بفرض شروطها. هذا التقييم قد يكون مبالغًا فيه، لكنه يعكس تفكير القيادة الإيرانية واستراتيجيتها التفاوضية. إيران تعتقد أن الضغط على القوى الغربية من خلال استخدام أوراقها الإقليمية، بما في ذلك حزب الله، سيجعلها أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات. في المقابل، فإن القوى الغربية تحاول الضغط على إيران من خلال فرض عقوبات اقتصادية مشددة، والتلويح بالخيار العسكري. هذه الاستراتيجية المزدوجة من الضغط والتفاوض تهدف إلى إجبار إيران على العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي. مستقبل المفاوضات النووية يعتمد على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات، وعلى قدرتهما على إيجاد حلول وسطى. إيران قد تكون مستعدة لتقديم بعض التنازلات في برنامجها النووي، مقابل الحصول على ضمانات قوية برفع العقوبات الاقتصادية. لكنها في الوقت نفسه لن تتخلى عن جوهر برنامجها النووي، ولن تسمح بتفتيشات واسعة النطاق لمنشآتها النووية. القضية الأساسية هي الثقة، فالقوى الغربية لا تثق في نوايا إيران، وإيران لا تثق في وعود القوى الغربية. هذا انعدام الثقة يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق دائم ومستقر.
التحديات والسيناريوهات المحتملة
التحديات التي تواجه المفاوضات النووية مع إيران عديدة ومتنوعة، وتجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل هذه المفاوضات. أحد أبرز هذه التحديات هو الموقف الأمريكي، فالولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جو بايدن تسعى للعودة إلى الاتفاق النووي، لكنها تضع شروطًا جديدة، مثل إجراء مفاوضات حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودور إيران الإقليمي. إيران ترفض هذه الشروط، وتؤكد أنها لن تتفاوض إلا حول برنامجها النووي. هذا الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران يعقد المفاوضات، ويجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق. تحد آخر هو الموقف الإسرائيلي، فإسرائيل تعارض بشدة أي اتفاق نووي مع إيران، وتعتبر أن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية. إسرائيل قد تلجأ إلى العمل العسكري لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وهذا قد يؤدي إلى تصعيد كبير في المنطقة. إيران تعتبر أن أي هجوم إسرائيلي عليها سيكون بمثابة إعلان حرب، وأنها سترد بقوة على أي عدوان. هذا التهديد المتبادل يخلق حالة من التوتر الشديد في المنطقة، ويزيد من احتمالات نشوب صراع. تحد ثالث هو الوضع الإقليمي المتوتر، فالصراعات في سوريا واليمن والعراق ولبنان تجعل من الصعب التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات الإقليمية. إيران متورطة في هذه الصراعات، وتدعم حلفاءها في المنطقة. هذا الدور الإقليمي لإيران يثير قلق القوى الغربية والعربية، ويزيد من التوترات في المنطقة. التحديات التي تواجه المفاوضات النووية مع إيران تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق شامل ومستدام. ومع ذلك، فإن الفشل في التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك سباق تسلح نووي في المنطقة وصراعات إقليمية واسعة النطاق.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الملف النووي الإيراني تتراوح بين التوصل إلى اتفاق جديد والفشل في ذلك، مع وجود سيناريوهات وسيطة. السيناريو الأول هو التوصل إلى اتفاق جديد، وهذا يتطلب تنازلات من الطرفين، وإيجاد حلول وسطى للقضايا الخلافية. الاتفاق الجديد قد يشمل قيودًا أكثر صرامة على البرنامج النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. هذا السيناريو هو الأكثر تفضيلاً للقوى الغربية، لأنه يمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. السيناريو الثاني هو الفشل في التوصل إلى اتفاق، وهذا قد يؤدي إلى تصعيد التوتر في المنطقة، وزيادة احتمالات نشوب صراع. في هذا السيناريو، قد تتجه إيران إلى تطوير أسلحة نووية، مما يشعل سباق تسلح نووي في المنطقة. هذا السيناريو هو الأكثر خطورة، لأنه قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق. السيناريو الثالث هو سيناريو وسيط، حيث يتم التوصل إلى اتفاق مؤقت أو جزئي، يهدف إلى تهدئة التوتر ومنع التصعيد. هذا الاتفاق قد يشمل تجميد بعض الأنشطة النووية الإيرانية، مقابل رفع بعض العقوبات الاقتصادية. هذا السيناريو قد يكون حلاً مؤقتًا، لكنه لا يحل المشكلة بشكل كامل، وقد يؤدي إلى تجدد التوتر في المستقبل. السيناريوهات المحتملة لمستقبل الملف النووي الإيراني تعكس مدى تعقيد هذا الملف، ومدى صعوبة التوصل إلى حلول دائمة. الخيار الأفضل هو التوصل إلى اتفاق شامل ومستدام، يضمن عدم حصول إيران على أسلحة نووية، ويحمي المنطقة من الصراعات.
الخلاصة
في الختام، العلاقة بين إيران وحزب الله معقدة ومتشابكة، وسلاح حزب الله يمثل ورقة مهمة في يد إيران. إيران قد تستخدم هذه الورقة في المفاوضات النووية، لكنها لن تتخلى عنها بشكل كامل. مستقبل الملف النووي الإيراني يعتمد على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات، وعلى قدرتهما على إيجاد حلول وسطى. التحديات التي تواجه المفاوضات النووية عديدة ومتنوعة، والسيناريوهات المحتملة تتراوح بين التوصل إلى اتفاق جديد والفشل في ذلك. في النهاية، الحل يكمن في الحوار والتفاوض، وإيجاد حلول سلمية للنزاعات الإقليمية.